مع أن مجال الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية قد تم استخدامه في دول العالم منذ فترة طويلة إلا أن بلادنا لم تتجه إليه بشكل كبير إلا بعد العدوان الغاشم على بلادنا والتدمير الممنهج للبنية التحتية والحصار البري والبحري والجوي واحتجاز سفن المشتقات النفطية، الذي أدى إلى انقطاع خدمة التيار الكهربائي بشكل كلي مما دفع المواطن اليمني إلى البحث عن حلول بديلة لتوفير احتياجه من الطاقة الكهربائية. وقد كان الخيار الأنسب هو استخدام منظومات الطاقة الشمسية. ونتيجة للاستخدام المتزايد لهذه المنظومات ظهرت إبداعات الشباب اليمني في الاختراعات في هذا المجال، ومن هذه الاختراعات محلية الصنع جهاز قاعدة تتبع أشعة الشمس الذي يعمل على زيادة كفاءة المنظومات الشمسية. لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع التقينا صاحب الاختراع المهندس أدهم المقداد.
- من هو أدهم المقداد؟
أدهم أحمد عبد الوهاب المقداد، تقني كهرباء، درست دورات خاصة بالإلكترونيات، ومع تحول المستهلك اليمني للطاقة الشمسية دخلت في هذا المجال وعملت مهندس تركيب وصيانة للطاقة الشمسية، حيث تعتبر هوايتي من الطفولة.
أخذت بعض الدورات التدريبية الخاصة بالطاقة الشمسية وأغلبها أونلاين بسبب عدم توفر هذه الدورات في بلادنا، منها دورة الأنظمة الكهروضوئية بشركة ايكوسولر في مصر، وبرنامج فحوصات مشاريع الطاقة الشمسية في شركة سولارابيك للتدريب والتأهيل في برلين ألمانيا، ودورة مضخات الطاقة الشمسية من أكاديمية المجددون في سوريا، وغيرها من الدورات والكتب المتخصصة بالطاقة الشمسية.
- ما هي مشاركاتك؟
شاركت هذا العام في المسابقة الوطنية لرواد المشاريع الإبداعية والابتكارية الموسم الثالث باختراع أسميته “قاعدة تتبع الشمس” خاص بالألواح الشمسية، وتأهل اختراعي إلى مراحل متقدمة، وإن شاء الله أشارك في الموسم القادم بمشروع أفضل وأكبر والتجهيز له جار من الآن.
وقد استفدت كثيراً من المشاركة في المسابقة بالتعرف على العديد من المخترعين اليمنيين مما زاد حماسي لمواصلة الإبداع، وأدركت أن الشباب اليمني لديه مواهب تفوق التصور ولكنه بحاجة إلى الدعم والتبني لأفكاره وإخراجها إلى حيز الوجود.
- هل يمكنك إعطاء القارئ الكريم نبذة عن جهازك؟
هو جهاز إلكتروني وميكانيكي يعمل على تحسس أشعة الشمس ويقوم بتحريك القواعد الحديدية الخاصة بتثبيت الألواح الشمسية باتجاه الإشعاع الأكثر لتكون أشعة الشمس عمودية على الخلايا الشمسية طوال ساعات النهار، بحيث يعطي زيادة في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بنسبة (30 – 50)٪.
وقد قمت بتجارب عديدة على الجهاز ولفترات طويلة وقمت بمراقبة أدائه في الليل والنهار وفي الليالي القمرية والمظلمة والأيام الغائمة والممطرة لكي يتجاوز جميع العيوب ويجمع أفضل المميزات، كما أن الدائرة الإلكترونية الخاصة بالجهاز تم تصميمها بعد العديد من التجارب ولعدة أشهر ومراقبة الأسباب التي تتسبب في حرق الكثير من الأجهزة حتى الصينية، حيث جمعت أفضل المميزات ولا توجد دائرة بنفس التصميم. فأتمنى من الجهات المعنية وخاصة الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار تسجيل هذا الجهاز باسمي لحفظ حقوق الملكية الفكرية حسب وعد الهيئة للمشاركين في المسابقة في مخيم الإعداد للمسابقة الوطنية.
- ما الجديد في جهازك؟
قواعد تتبع الشمس موجودة في أغلب دول العالم، ولكن سعرها مرتفع جداً وغير متوفرة في اليمن، جهازي يتميز برخص ثمنه الذي يصل إلى أقل من 10 % من سعر الجهاز الصيني؛ حيث أنه صناعة محلية في ورشة صغيرة، وفي حالة حدوث عطل يمكن صيانته من قبل المستخدم نفسه؛ لأن أغلب القطع فيه لا تحتاج إلى ورشة صيانة أو مكينة لحام وإنما هي عبارة عن قواعد تثبت عليها القطع سهلة النزع والاستبدال، واستهلاكه للتيار الكهربائي قليل جداً.
- ما آلية عمل الجهاز؟
أجهزة تعقب الشمس إما أن تكون حركتها في محور واحد (شرق، غرب) أو في محورين (شرق غرب، شمال جنوب)، والجهاز الخاص بتحريك قواعد الطاقة الشمسية عبارة عن قسمين إلكتروني وميكانيكي.
الإلكتروني يتكون من حساسات لأشعة الشمس تُركب بشكل متوازٍ مع الألواح الشمسية لتتحسس الأشعة الأكثر، نفرض أن الشمس تحركت قليلاً باتجاه الغرب، حساس الغرب يرسل إشارة للجهاز الإلكتروني بأن أشعة الشمس في اتجاه الغرب أكثر من اتجاه الشرق، الجهاز الإلكتروني يقوم بتحليل الإشارات من الحساسات الخاصة بالشرق والغرب بواسطة “أي سي” ويقوم بمعرفة أن الأشعة باتجاه الغرب أكثر من الشرق، فيعطي الأمر بتشغيل القطع الإلكترونية الخاصة باتجاه الغرب بالحركة غرباً والتي بدورها تعطي الأمر للمحرك الميكانيكي وهو محرك “دي سي” إلى أن يتساوى الإشعاع الشمسي بين الشرق والغرب، وفي هذه اللحظة “الكونترولر” يعرف أن الحساسات متساوية فيعطي الأمر للمحرك الميكانيكي بالتوقف، وهكذا تستمر الحركة طوال اليوم إلى أن تغرب الشمس.
في حالة الغيوم فإن الجهاز يتوقف عن الحركة إلى أن تظهر أشعة الشمس ولو بشكل خفيف فيعطي الأمر بالحركة مرة واحدة إلى أن تكون الشمس عمودية على الخلايا الشمسية ويتوقف.
بعد غروب الشمس بشكل كامل ودخول الليل حساس الليل يعطي الأمر للجهاز بالحركة مرة واحدة إلى جهة الشرق استعداداً لاستقبال الشمس في اليوم التالي.
- كيف توصلت إلى هذه الفكرة؟
– توصلت إلى هذه الفكرة عام 2014م مع زيادة الطلب للألواح الشمسية وارتفاع أسعارها بسبب الإقبال الشديد للناس عليها وعدم وصولها من الخارج إلا بعد فترة طويلة بسبب الحصار الغاشم على اليمن، وهذا دفع الكثير من شباب اليمن إلى العودة للابتكارات والصناعات المحلية والذي كان له دور هام في الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد الوطني.
ففكرت ما هي أنسب طريقه لزيادة كفاءة الخلايا الشمسية بأقل تكلفة، وبعد بحث توصلت إلى أن المشاريع العالمية الكبيرة تستخدم نظام التتبع (التعقب) الشمسي، وقد يمثل زيادة في السعر تصل إلى (5 – 10)٪ حسب إحصائية شركة نيكستراكر الشركة الأولى عالمياً في هذا المجال للسنوات الأربع الماضية، وهذا يعتبر أفضل حل مقارنة بزيادة إنتاج المنظومة للطاقة الكهربائية، والذي بدوره يقلل من التكلفة الإجمالية للمنظومة الشمسية.
بحثت عن مثل هذه الأنظمة ولكن لم توجد في اليمن وإنما طلبت من الخارج وكان سعرها مرتفعاً جداً. فقمت بالعديد من المحاولات والتجارب لصناعة هذا الجهاز، والحمد لله اتقنت صناعته بمواصفات أفضل وسعر أقل بكثير من الأجهزة الصينية.
- ما الذي يمكن أن يقدمه هذا الجهاز للمجتمع؟
– يبحث العلماء منذ فترة طويلة وإلى الآن عن حل لزيادة كفاءة الخلايا الشمسية، وقد وصلوا إلى كفاءة 22 ٪ فقط، ومن الطرق المستخدمة طريقة صناعة خلايا شمسية بيفيشل ثنائية الوجه، وكذلك طريقة الاستخدام لقواعد التتبع الشمسي بنسبة كبيرة جداً، وهي حل مناسب وقليل التكلفة.
ومن هذه الدول البرازيل التي وصل استخدم قواعد التتبع الشمسي في المنشآت الخدمية فيها إلى 90 ٪ عام 2019م.
هذا الجهاز يقدم الكثير من الفائدة وخاصة في مشاريع ضخ المياه بالطاقة الشمسية، حيث أن أغلب الآبار تحولت إلى الطاقة الشمسية في اليمن بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فصاحب المزرعة لكي يقلل من تكلفة منظومته الشمسية يقوم بعمل قواعد متحركة يتم تحريكها يدويا ثلاث مرات في اليوم فقط، بينما الجهاز الإلكتروني يحرك القواعد كل لحظة مع حركة الشمس، ولا يحتاج إلى عامل خاص بحركة القواعد والجهاز استهلاكه للكهرباء أقل من (20 – 50) وات كل 24 ساعة وهو استهلاك قليل جداً مقارنة بالزيادة المستفادة من الجهاز التي تصل إلى آلاف وربما إلى عشرات الآلاف من الوات حسب حجم المنظومة الشمسية.
- ما هي الصعوبات التي واجهتك؟
– الصعوبات التي واجهتني كثيرة؛ منها الوقت الذي استغرقته لكي أصل إلى منتج محلي يفوق الأجهزة الخارجية في الأداء وفي العمر وسهولة الصيانة من قبل المستخدم نفسه والسعر الأقل. ومن الصعوبات عدم توفر بعض القطع مما دفعني إلى صناعتها محلياً، وكذلك صعوبة إقناع المستهلك اليمني بالجدوى الاقتصادية لهذا الجهاز وذلك للاعتقاد السائد بأن الأجهزة المستوردة أفضل من الإنتاج المحلي.
كما أن عدم توفر ورشة خاصة لتصنيع الأجزاء الخاصة بالجهاز يسبب الكثير من المشقة؛ إذ لابد من صناعة معظم هذه الأجزاء لكل جهاز على حدة، وهناك العديد من الصعوبات الأخرى.
- كلمة أخيرة..
– للأسف حتى يومنا هذا لم يتم استغلال الطاقة الشمسية بالشكل المطلوب في اليمن حيث يعتبر الموقع الجغرافي لليمن من أفضل المواقع الغنية بالإشعاع الشمسي مقارنة بدول أوروبا، إذ تتميز المحافظات الجبلية كصنعاء وذمار وغيرها باعتدال حرارة الجو صيفا بدول الخليج ومصر والعراق، وهذه ميزة هامة لليمن… والحديث يطول في هذا الموضوع.
وأتقدم بالشكر لصحيفة (الثورة) لاستضافتنا في هذه الصفحة الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا، كما أشكر الهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار والتي تعتبر أول جهة تشجع هذه المشاريع وتدعمها، ونتمنى أن تستمر بشكل أفضل بالتشجيع والدعم الملموس.
حررت هذه المادة بواسطة الصحفي هاشم السريحي لصحيفة الثورة بتاريخ 23/ 6/ 2021م – اقرأ المقال في الموقع الأصلي عبر الرابط